سطور من روايات لم تُكتَب

الثلاثاء، أكتوبر ١٨، ٢٠٠٥

غرفة الطاووس: سطر ثالث


"لا تعالج أمور القلب بعقلك"

رغبت نيلي أن تكتب لنبيل

لقد قرأت رسالته المعقولة بتمعن. حقائق, معلومات, وقائع, شرح مفصل عن ماذا حصل
رسالة معقولة جدا
كيف تشرح له أنها لو رغبت بإستلام رسالة معقولة لبادرت هي بالتصرف بشكل عقلاني في البداية



في الأُخدود

في الميكروباص تنتابني نشوةٌ على غير العاده
أجلس في مكاني المفضل , الركن الأيمن من المقعد الخلفي
اتنهد بينما يصل الشعاع الاصفر مع اختفاء الابراج الكئيبه
..
على الكورنيش سيدة تتمدد على السور تقرأ الجريده
و في البحر رجلان على مركب خشبي عتيق
يقذف احدهما في الماء حجرا كبيرا موصولا بخيط طرفه في يده
ثم يعاود الكرةَ مراتٍ عده
لسبب ما, لم اجد ما يفعله غريبا , كان غير مفهومٍ .. و لكنه قابل للتسامح
..
في الطريق جسدٌ مسجيٌ لفتاةٍ يتدفق الدم من رأسها
يتسابق الماره للتشاجر و تغطية صدرها المكشوف المغطى بالدماء
يتافف السائق من زحام الطريق
بينما يلقي عليها زملائي الركاب نظرة .. ثم يعودون الى القراءة و تتبع الامواج البيضاء اليانعه
..
في المدرج الانيق يُشرح لنا كيف نكتب تقارير طبيه عن حالات تعذيب امن الدوله
من قبيل الحظ النادر ان تجدوا خدشا واحدا -
تقول المحاضِره
..
في طريق العوده .. ووراء نافذة البار الزجاجيه يقرأ بخشوع ورده اليومي
وقد ارخي قليلا حصار البابيون لرقبته
..
تتركه عيناي لترتاحا في زخارف الفستان .. و تجاعيد الوجه
ادندن لحن اغنية احاول تذكر كلماتها منذ اسبوع
لكني بدلا اتذكر رسالة الامس
..
في البيت ارحب بالغربة المعتاده
نجلس معا لنشاهد البرنامج الحواري الساخن
عن ازمة السينما المصريه
..
اتذكر صديقا افتقده , ارفع سماعة الهاتف لكني اعيدها
(دعه هو يتصل (احدث نفسي -
..
اها
حاتاخد زمنك وزمن غيرك .. حاتخد زمنك و زمن غيرك -
الآن تذكرت الكلمات
..
من قال اني احتاج الى الحظ النادر؟؟

وجهاً لوجه

- انت رجعت؟
- أيوة، وصلت من شوية
- كنت قلقان، ومش عارف أشتغل
- عشان أنا مش موجود يعني؟
- مانت عارف، شغلي عايز وحدة وما باعرفش أتوحد وانت مش موجود
- لازم تفهم إن أنا مش بأكرهك ومش هنا عشان أضايقك، أنا هنا لأن ده الشيء الطبيعي الوحيد
- عارف، أنا المسئول
- انت ليه مصمم توزع المسؤولية؟
- عشان أعرف مين إللي في إيده الحل
- مش دايماً المسؤول هو إللي بيكون في إيده الحل
- على الأقل وانت هنا بأعرف إني مش مجنون، إني مكتئب وبس
- أنا مش لئيم زي ما الناس فاكرة
- أيوة انت مش لئيم، احنا إللي مش عايزين ننضج أبداً

نظر إليه بعد أن حكى له الحوار مراقباً خط شعره المتراجع بينما انكب على الأوراق يكتب ويعلم علامات كثيرة،
انتهى من الكتابة ورفع رأسه وتراجع في الكرسي الدوار ونظر إليه تلك النظرة الفارغة، وقال بصوته الخالي من أي تعبير:
-مش عايزك تعيش في دور الشهيد
سطور أخرى من رواية: "لست أنا من فعلها"

الاثنين، أكتوبر ١٧، ٢٠٠٥

حالة مزاجية

- انت عارف إن ده عادي في حالتك، مفروض دلوقتي إنك عندك فكرة عن مرضك
- يعني أعرف إزاي الشفاء من النكسة؟
- مافيش حاجة اسمها الشفاء وانت عارف إن إللي في حالتك بالذات نادراً ما بيخفوا بالكامل من الاكتئاب
- أمال أنا بأجيلك ليه؟ بأعري نفسي قدامك ليه؟ بأتكلم ليه؟
- عشان التحسن، مش الشفاء
- يعني بعد كل لحظة فرح استني النكسة؟
- ما تاخدش الأمور بالشكل ده، لأن تقلب المزاج حاجة طبيعية في حالتك
- "تقلب المزاج"؟ لخصت أزمتي كلها في كلمة "تقلب المزاج"؟
- أنا بأفكر أغيرلك الدوا، انت بتاخد إيه دلوقت؟
- ....
- فيه دوا جديد في السوق، جربه
- وهو كمان يجربني ويقول لأصحابه السبعة إللي جربوني قبل كدة
- مش اتفقنا انك تعبر عن مشاعرك من غير سخرية؟
- اتفقنا بس دلوقتي ماليش مزاج


سطور من رواية: "لست أنا من فعلها"

يسمعني... ـ

= أنا ملاحظة حاجات.. ممكن تاخدي بالِك؟
- يا بنتي إنتِ مش فاهمة!
أنا عُمر ما حد سمعني كده كأنّه عايز يعرف فعلاً الكلام اللي باقوله، ويلقط إزّاي ده بيعبّر عني.
= .. هه؟ يعني..
على العموم خدي بالك!

الثلاثاء، أكتوبر ١١، ٢٠٠٥

رهان


= نعم بالطبع شئ مؤسف
- هووه الزمان كفيل بمداواة كل أنواع الجروح
= لى صديق اعتاد أن يقول "الرهان على الزمان ، رهان خسران"
- "علام إذن كان يراهن صديقك ؟"
= لم يكن يراهن، صديقى ذاكر باجتهاد و تخرج بتفوق ثم تزوج وأنجب
- و أنت ؟؟

الأحد، أكتوبر ٠٩، ٢٠٠٥

ليلة

متى ينتهي؟
حدّثت نفسها و هي تحدّق في سقف الغرفة
أنفاس متعاقبة سريعة ... و لهاث
ثم سكون قاتل
...
خطوات سريعة ثم صوت مياه تتدفق
صفير المنتصر تسمعه من بعيد ، من خلف باب قريب
"الحمد لله"
هكذا قالت في نفسها، و هكذا كان يقول هو أيضاً
...
لملمت ملابسها و مشاعرها
ثم جلست على حافة السرير في هدوء
...
من بعيد، لمعت جوهرتان في الظلام
كأنهما حفرتان مبللتان بالماء النقي

السبت، أكتوبر ٠٨، ٢٠٠٥

فنجان قهوة

"ارتفع معدّل ضربات قلبه ارتفاعاً شديداً وهو يقرأ الورقة التي جلبها الساعي مع القرفة الساخنة.
خشي أن يلاحظ عم إبراهيم اضطرابه
..
مدّ يده الراجفة شاكراً ومعها البقشيش اليوميّ
..
لم يستطِع افتعال الابتسامة المُعتادة،
وانهارت جميع محاولاته حين انسكب خُمس كوب القرفة على الورقة أثناء التقاطه له
..
نظر إليها مرّةً أخرى قبل أن يفتّتها بيده بعد تمزيقها...
ليس بحاجة لمعرفة العنوان المشئوم في باب الخلق،
كان ينتظر تلك اللحظة منذ أعوام.
الآن سيتحرّر من الكابوس المتكرّر، فقد صار واقعاً."

******

(6)
....

" بذل هذا الصباح جميع المحاولات الممكنة لمداراة شحوبه.
زاد الطينة بلّةً الجرح اليومي المعتاد من شفرة الحلاقة التي يتكاسل عن تغييرها.
قلّب جميع المحاورات الممكنة في رأسه، يفكّر في الردود،
تتوارد إلى ذهنه صور صفعات ولكمات وضربات تحت الحزام من أرشيف كوابيسه وقراءاته،
بل فكّر حتّى في تناول أحد تلك الأقراص المثلثة التي تستخدمها زوجته من حين لآخر.
رفض الفكرة مجدّداً، وبصوتٍ عال هذه المرّة!
- لأ!
خرجت منه بصوت أدهشه."

.....
.....
"
ـ أهلاً وسهلاً يا دكتور. اتفضّل.
معلش آسفين على تعطيلك برّة،
أنا عارف أكيد مشاغلك كثيرة.

يكظم غيظه في إجراء روتيني تدرّب عليه خلال تعامله مع رئيس القسم،

’ثلاث ساعات يا ولاد الـ..‘ (يفكّر)،
ثم يتمتم بكلمات لم تخرُج جهراً لفرط قدمها في حلقه:
ـ لا يا افندِم مافيش حاجة.
ـ معلش، جبناك بسرعة كده على ملا وشّك. الموضوع بسيط، فنجان قهوة كده وندردش...
تحبّ قهوتك إزاي؟
ـ أنا في الحقيقة ما باشربش قهوة
- معلش بقى. طلبناها خلاص.

يرقب الساعي ذا الملابس المدنيّة داخلاً بعد لحظة بفنجانَيْ قهوة وكوب واحد من الماء، ثم خارجاً بلا استئذان حين يرن التليفون..
ينتهز فرصة المحادثة الهاتفيّة السخيفة التي يعلم أنّها على الأرجح مفتعلة ليواصل بها "سيادته" تضخيم شعوره "التعويضيّ" بالمقام الأعلى
ويشعُر كأنّه في مسرحيّة مخرجها فاشل: لا مفاجآت.. الأبطال يتحرّكون كما لو كانوا مربوطين بخيوط في يدي المخرج. كيف دخل الساعي بهذه السرعة؟ لماذا يرن التليفون في هذا الوقت بالذات؟
ثم يُفسح الطريق لمتلازمة الأسئلة القهريّة الدائريّة التي حشت رأسه منذ الصباح:


ماذا قلت في محاضرة الأمس؟ هل بدر مني أيّ تعليق عفوي؟
لم أشترك في دورات منذ ثلاثة شهور... هل يراقبون اتّصالات مصطفى؟
هل وقعت الرواية القديمة في يد أحد؟
يكون الدكتور منصور ألّف "اعتراف"؟

ـ كُنّا عايزين رأي حضرتك في الكلام ده؟
يتصفّح الملف الورقيّ محاولاً اصطناع اهتمام.
لا يقرأ شيئاً في الحقيقة، ينظر فقط للعناوين والأسماء ليتذكّر جيّداً محتوى كلّ مقال.
ـ رأيي النقدي يعني؟
ـ إنت تعرف الناس دول كويّس؟
ـ طبعاً يا افندم. يعني واضح إن...
الضابط-مقاطعاً:
ـ وإيه اللي لمّك يا دكتور على شويّة الحوش دول؟ "

"مقطع من رواية: "هو ده النظام"

الثلاثاء، أكتوبر ٠٤، ٢٠٠٥

أمنيات مؤجلة

بينما يرفع كأسه الفارغ بعد أن أنهى جملته سألهم أيضاً:
- ماذا عنكما؟
- ماذا عنا؟
ماذا تودان أن يكتب على لوحي قبريكما؟

رد عليه محمد وهو ينظر لآثار أظافره المقضومة حتى المنتصف: ا
" ليس لدي أي شك، كل ما أوده هو أن يكتب على قبري: "كان شجاعاً"

ونظر كليهما إلى الصديقة التي جلست تحملق في صورتها المنعكسة على زجاج المائدة اللامع وقالا:
وأنت؟
وأنا ماذا؟
ماذا تودين أن يُكْتَب؟
هه؟
كنا نسأل سؤالاً، ماذا تودين أن يكتب على لوحة قبرك؟
آه، هذا السؤال، أود أن تكتبوا: "حين ماتت كانت آثار الارهاق حول عينيها قد زالت"

رفع محمد كأسه الفارغ – أيضاً – والذي أحاطته أصابعه المنتهية بأظافره المقضومة قائلاً:
لنشرب إذن في صحة لوحات القبور

السبت، أكتوبر ٠١، ٢٠٠٥

للحقيقة دروبٌ أخرى

كانت تتكلّم والقلم في يدها يخربش بلا هوادة على الصّفحة البيضاء. قالت له أوّلاً إنّها أفاقت للتوّ من النّوم. ثمّ قالت إنّها مريضة، وتصنّعت سعالاً متواصلاً. ثمّ تلعثمت وادّعت أنّها أمضت اللّيلة المنصرمة في حفلة صاخبة. لا تذكر بالضّبط كمَّ الحجج التي لفّقتها كي لا يسمع صوت دمعاتها على الهاتف. لكنّها تذكر ضحكاتها المتكلّفة، ودفء صوته الذي تعلم علم اليقين أنّها تسمعه للمرّة الأخيرة. تذكر الكلمات التي تناهت إليها في صمته الطّويل، ونفحات الشّوق التي كبحها في تأفّفه. كانت غايةً في اللامبالاة لحظة الوداع. كانت غايةً في البرودة والقساوة والتّحجّر. لم تنتبه، إلا حين أعادت سمّاعة الهاتف إلى مكانها بشرود، إلى الكلمة اليتيمة التي سوّدت كلّ جزءٍ من أجزاء الورقة أمامها: بحبّك.. بحبّك.. بحبّك.. بحبّك!