سطور من روايات لم تُكتَب

الأحد، نوفمبر ٢٧، ٢٠٠٥

مواسمُ المحبوب

تجيد هي الحكيّ أحياناً، بشكل يدعو للإعجاب..

كانت أصابع البطاطس المحمرة ساخنة لم تزل، عندما تخلت هي عنها، وبدأت في إخباري بحماس عن مواسمها السابقة، عندما عاشت العديد من (الحالات) التي صدقتها وأخلصت لها، وتمنت لو عاشتها لفترات أطول، لكنها لم تزل تمل أو تفقد الحماس في كل مرة، أو تجد أنه لن يكون من العملي أو الواقعي الاستمرار في مثل هذا الأمر.. وهي الآن مستاءة من تلك العادة، رغم أنها تقوم في النهاية بما هو أكثر واقعية ومناسَبة.

- "بس انتي كنتي بتصدقي الموضوع فعلاً في وقته، وده الغريب"

كان الفلك والنجوم عندما كانت صغيرة في مكتبة المدرسة والمكتبة المجاورة للبيت، وكان السحر الشرقي تحديداً الذي أثار اهتمامها، وتضحك إذ تتذكر حماسها وهي طفلة لأن تكون ساحرة يوماً ما "انا عايزة اكون ساحرة"، مثل تلك الساحرات في القصص المصورة؛ اللائي يحققن أحلاماً كثيرة دون مجهود، وتفقد حماسها مجدداً. ثم تعرف الصوفية وتبحث عن كتب "محيي الدين بن عربي" رغم نصيحة بعض الإخوة لها بالابتعاد عن تلك الأفكار الفاسقة، ولكنها تـُقبل مجدداً ثم تدبر، مجدداً أيضاً..

وأخبرها أنه لا بأس؛ فكلنا لدينا مواسمنا، عندما نـُقبل ثم نـُدبـِر..

تعرف قراءة الكف بالحدس، وتصيب فيه كثيراً، فعلت هذا معي وأدهشتني في الواقع، رغم عدم استيعابي كيفية حدوث هذا. تقرأ في اليوجا والتأمل، ثم يدفعها فضولها لتجربة (الخروج المؤقت من الجسد)، الذي تدرك خطورته، علاوة على أنه مرهق، فلا تفعله مجدداً "أنا عارفة إنه محض خيال، بس خفت ليكون بجد، خفت أطير من البلكونة"

ألوك البطاطس المحمرة ببطء، وأنا أنظر بإمعان وأستمع بتركيز

- "مدهش!!"

أقطع صمتي وهمهماتي بسؤال من تلك التي تطرح نفسها بالضرورة..

- "ويا ترى انتي مركزة مع ايه دلوقتي، ايه الحالة اللي عايشاها حالياً؟"

انتظرت أنا متوجساً، ثم أجابتني هي بعد تفكير:

- "انتَ"

عمر

الجمعة، نوفمبر ٢٥، ٢٠٠٥

إزعاج

- شيء مزعج
- ما هو؟
- أسمعها تخبط في جسدي كلّه كأنها زلزال
- أسكتها إذن
- و كيف أسكت نبضات قلبي؟
...

أحمر

بدأ يصبح الأمر تهديداً بالنسبة له، كل ما يخط خطاً جديداً على بياض القماش، تختار ريشته اللون الأحمر.... كان يريد أن يكون الأزرق أساساً للوحة..... لكن بدا وكأن ليديه إرادة مختلفة...... وفي تلك المرة التي أخذ فيها الأحمر ومرغ به القماش باندفاع غريب، توقفت يديه.. وسقط كتفاه في استسلام مفاجئ... ثم أخذ يضحك... خافتاً في البداية.... ثم عالياً.... حتى استغربته، وسألت بتوجس: "ما بك؟
فأجابني بصوت خافت.. وهو جالس على كرسيه أمام لوح القماش، منحني الظهر، ووجهه في الأرض حيث لا أراه:
"يبدو أنني أريدك أكثر مما تصورت"

الخميس، نوفمبر ١٧، ٢٠٠٥

... وفي الصباح التالي

صداع شديد أحست به، مطارق في رأسها، زجاجة "بلاك ليبل" فارغة على الأرض، وبجانبها علبة الحبوب المهدئة ... تحاول أن تتذكرأي شيء ... فتفشل،لا تذكر إلا حبتين من المهدئ ابتلعتهما بشيء من "الويسكي" مخالفة لأوامر الطبيب الصارمة ونداء العقل، وتستنج - من الزجاجة الفارغة - إنها قد تمادت أكثر من مجرد ابتلاع الأقراص به
دخل الغرفة بصينية صغيرة عليها كوب كبير من القهوة وبعض الخبز والجبن الأبيض وحياها تحيته المدللة منغماً إياها على لحن شهير:
"صباح الخير يا قمر"
تسأله عن ليلة الأمس: "هو أنا عملت حاجات تكسف قوي امبارح؟"

السبت، نوفمبر ١٢، ٢٠٠٥

الخبر

من رواية: باتريسيا ماكدونالد، "لا طريق للبيت".

ما إن أغلق جوردان الباب خلفه حتّى شرع جرس الهاتف يرنّ في الشّقة. ولمّا نظر إلى ساعته أوجس شرّاً، فالأخبار في تلك السّاعة سيّئة لا محالة. خطرت أمّه للوهلة الأولى على باله، فقد باتت تناهز السّبعين، ومع أنّها ما زالت تتمتّع بصحّة جيّدة، أمسى كلّ مكروهٍ محتملاً في هذه السّن.

فيما كان يحاول بلوغ الهاتف متعثّراً بالثّياب المنتثرة أرضاً، تضرّع في سرّه إلى السّماء من أجلها. وقع نظره لحظة رفع السّماعة على صورة ميشال، فانقبض صدره هنيهةً. لكنّه ما لبث أن بدّد مخاوفه، فميشال شابّة، وقد غدت بعد طول عناء في تمام الصّحة والعافية، والحياة أمامها بطولها وعرضها. لا، لعلّ المتّصل صديق.

قرّب جوردان السّماعة من أذنه، وراح يصغي إلى كلام ليلي. ثمّ طرح بضعة أسئلة وقال إنّه يتفهّم الوضع، شاكراً اتّصالها. أخذ يتلمّس المكان على غير هدى، والسّماعة في يده، إلى أن تمكّن أخيراً من إقفالها. ثمّ تهالك على مقعدٍ افترش في زاوية الغرفة.

لبث اللّيل بطوله، قابعاً في مكانه، يلفّه الصّمت وتكتنفه الوحدة، يتأجّج غضباً ويتصبّب عرقاً، حتّى إذا ما انبلج الفجر، سلّم جزعاً بهول الفاجعة التي ألمّت به. فالإنجاز الوحيد الصّائب والمجدي الذي كان يسعى إليه في حياته اضمحل. لقد قضت وحيدته.