ابتسامة نبيلة
تدق الساعة في انتظار شهريارها الوحيد... تسند ذقنها على كفها، وتجول دون وعي بعينيها في أنحاء الحجرة، كأنها تحاول إعادة اكتشاف تفاصيلها المنحوتة في كل جزء من لحمها.... تتوقف عينيها على الحائط المجاور لها.... تمعن النظر أكثر في البقع الباهتة على الحائط القديم... الذي توسلت له مراراً أن يعطيها المال لإعادة دهانه.... تتأمل في شيء من الانزعاج التقشر والبقع.... تكتشف في شيء من الدهشة بأن هناك أشكالاً محددة كالرسوم.... تسرح في تكويناتها...... أليست هذه مدينة؟؟؟ وهاك طفلٌ يحبو.... ترى امرأة تضحك وفمها مفتوح عن آخره... مر زمان طويل منذ آخر مرة ضحكت فيها مثل هذه الضحكة.... هناك رجل أيضاً، للغرابة فإنه يشبه زوجها إلى حد كبير.... يضحك بجوارها....... فزعت على صوت الساعة تدق معلنة انتصاف الليل.... مر ببالها خاطر مزعج... ليس الأمر أنها لم تفكر بهذا من قبل... ولكن هذه الأشكال تبدو كأنها رسالة خبيثة من مجهول... تؤكد شكوكها.....
يثير الخاطر لديها إحساساً بالتقزز منه ومن الحائط، ومن نفسها.... تنهض متنهدة... وتلملم الأطباق من على الطاولة... وتلملم معها آمالها في إيفائه بالوعد...هي تعلم أنه إن عاد الآن أو عاد غداً، ستبتسم له... ولن تسأله عن شيء.... ستعبر له فقط عن قلقها عليه.... لا تجرؤ على الغضب.... لا تجرؤ على الشكوى..... تخاف أن تسلم نفسها لدوامة اللوم والحسرة..... ليس خوفاً على شعوره، فهي تشك بأنه لم يعد يشعر بشيء... بأنه لم يعد يراها حتى.... لكنها تخاف أن ترى نفسها تتحول لامرأة مهزومة أخرى..... كل ما لديها في حياتها هو أرشيف ثقيل من الاختيارات الخاطئة، وألعاب القدر الغادرة، ومن ظلم البشر لها، تقلب فيه طوال الوقت بصوت مرتفع..... تماماً مثلما كانت أمها تفعل.... لا لن تكون كذلك....هي الصابرة العاقلة المتفهمة إلى النهاية... وربما الضحية كذلك.... الضحية النبيلة...
تخرج إلى الشرفة لتتنشق بعض الهواء.... ينعشها الهواء البارد... والأضواء البعيدة.... لا تعرف منذ متى صارت تهابها.... فيما مضى كانت تثير لديها رغبة الحياة... أما الآن فإنها تشعر كلما رأت هذه الألوان المتضاربة بالخوف، والرغبة في الهروب، رغم جمالها.... تسمع صوتاً ..... يبدو كأنه آتٍ من شرفة الطابق الأسفل...... تنظر للأسفل فتجد رأساً يطل...... يبدو أنه يحادث أحداً في الهاتف.....ظلت تنظر إلى الرأس برهة...... لم تفهمه أبداً هذا الرجل الغامض..... لا أحد من الجيران يعلم عنه شيئاً .... رغم كثرة أقاويل النساء عنه... كونه وحيد ويمتاز ببعض الوسامة..... لكنه لا يتعامل مع أحد ..... حتى زوجها لم يحادثه يوماً بشكل شخصي.... حاولت أن تتسمع على المكالمة.... أطلت بجسدها قليلاً.... ثم انتفضت متراجعة.... فقد اصطدمت عينها بعينيه....... وانسحب الرأس للتو.... كيف عرف بأنها تنظر له؟ ما الذي جعله يلتفت للأعلى..... قطع جرس الباب أفكارها..... لا بد أنه هو....لماذا لم تره آتياً في الشارع؟؟...... هرعت لتفتح له الباب بعد أن عدلت من شعرها قليلاً في المرآه.... ورسمت على وجهها ابتسامة
1 Comments:
يبدو أنّ التعليقات في هذه المدوّنة ستكون قصيرة ومتشابهة:
جميل جداً:)
تعجبني فكرة الحائط وما تراه عليه مرسوماً.
ـ
By R, at ٩/٢٧/٢٠٠٥ ١٠:٢٤:٠٠ ص
إرسال تعليق
<< Home